إشكالية تكرر عناوين القصائد داخل نفس الديوان!

إشكالية تكرر عناوين القصائد داخل نفس الديوان!
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري

كما هو معروفٌ أن كلَّ مجموعة قصائد يجمعُها أيُّ شاعر بين دفَّتَيْ كتاب تُسمَّى"مجموعة شعرية" أو "ديوان شعر"، وما دامت نصوصًا شعرية مختلفة فيقوم الشاعر/ة باختيار عنوان لكل نصٍّ شعري؛ أولاً لتمييزه عن غيره من النصوص، ثانيًا ليكون مُعبِّرًا عمَّا جاء داخل القصيدة، وفي النهاية هي حرية صاحب/ة النصوص، وليس هناك قواعدُ ثابتة لاختيار العناوين، ولكن هناك شبهَ اتفاق على أنه كلما قلَّتْ عدد الكلمات المُشكلة للعنوان كان أفضل، وفي تلك السطور سوف نُناقش مسألةَ تكرُّر نفس العنوان لأكثر من قصيدة داخل نفس ديوان الشعر، كإشكاليةٍ تبدو شَكلية، وسوف تُحلُّ القضية من خلال تحليلٍ لعناوين ديوان آخر.

تحليل لعناوين قصائد ديوان "ألف حيلة وحيلة" للشاعرة رشا الفوال:
صدَر الديوان عن ليان للنشر والتوزيع، الجيزة، مصر، الطبعة الأولى عام 2015، يقع الديوان في 101 صفحة من القَطْع المتوسط الطولي، يبدأ الديوان بالإهداء والافتتاحية، وينتهي بالختام، وبينهما 56 نصًّا شعريًّا، مكتوبًا جميعها بالعامية المصرية، وعناوين القصائد تتراوح ما بين كلمة وثلاث كلمات، وهي كالتالي:
أولاً - قصائد عنوانها كلمة واحدة:
وحدتي، حضور، لهفة، سؤال، شغف، الحقيقة، وشوشة، وردة، استراحة، حضور، حنين، بمبي، احتمال، حكاية؛ شيزوفرينيا، إشارة، حنين، فرص، وردة، عشق، خلاص، تحياتي، عكاز، رعشة.

ملاحظات:
 مجموع عدد القصائد التي يتكوَّن عنوانها من كلمة واحدة 24 نصًّا؛ بنسبة 43% من مجموع قصائد الديوان.

 تَكْرار نفس العنوان لقصائد متباينة: قصيدتان بعنوان (حضور)، وقصيدتان بعنوان (حنين)، حيث يَعتقد المتلقِّي من الوَهْلة الأولى أنه خطأٌ مطبعيٌّ، أو تَكرار لنفس النص الشعري، ولكن عندما يقرأ الأبيات داخل تلك النصوص يكتشف أنها مُتباينة في المعنى والحالة النفسية، ولا أستطيع أن أقول: إن هذا التَّكرار ميزةٌ أو عيبٌ، وخاصة داخل نفس الديوان، ولكن من حقِّ الشاعر اختيار العنوان الذي يراه مناسبًا لنصِّه الشعري دون وصاية من أحد.

 قصيدة (حنين) الأولى في ترتيب الديوان (صفحة 41)، بينما (حنين) الثانية (ص: 68)، وقد ورد خطأ مطبعيٌّ في الفهرس؛ حيث كتب أمام قصيدة "حنين" أنها صفحة 86 وليس 68.

 الإشكالية هنا كيف يمكنني - كمتلقٍّ عاديٍّ، أو باحثٍ علمي، أو ناقد أدبيٍّ - التعاملُ مع قصيدتَي )حضور) الأولى والثانية، وكذلك نفس الأمر مع قصيدتي (حنين) الأولى والثانية؛ هل مثلاً بإشارةٍ لاسم القصيدة ورقم الصفحة فقط؟ ولماذا لم تَقم الشاعرة بوضعِها بشكل متتالٍ داخل الديوان؟! أم أنها خشيت أن يعتبرهم القُرَّاء نصًّا واحدًا؟!

ثانيًا - قصائد عنوانها كلمتان:
يا جرح، حالات بحالات، وف قربك، لحظة وصال، فوق السحاب، ناي حزين، نغم مشدود، عكس الاتجاه، سؤال تاني، حلم الموسم، ساعتين رزيلة، ف انتظاري، على فين، كانت عندي، ولسه باموت، مش ليك، لسه هنا، برد وسلام، خليني فين، شارع المقامات، بين رموشي، لما المسك، ريحة روحي، طلعت فشنك، ليل بيوجع، بدون مبالغة، برة الروح.

ملاحظات:
  عدد القصائد التي تحمل عنوانًا مكوَّنًا من كلمتين 27 قصيدة، بنسبة 48% من مجموع قصائد الديوان.

 لم تُكرِّر الكاتبة أيَّ عنوان مُشكِل من كلمتين كما حدث في عناوين الكلمة الواحدة.

  قصيدة "شارع المقامات "(ص: 69)، وترتيبها داخل الديوان (40)، تم أخذُ جزءٍ منها ليُكتَبَ على الغلاف الخلفي للديوان بجوار صورة الشاعرة، فتقولُ في هذا الجزء:
يا جامع شارع المقامات
مقامي هزيل
وروحي في الوجود هايمة
بدون تعليل
ما بين العنف واللذة
مقضِّيها غنا وتراتيل
وأقول الليل إذا لَيِّل
وأقول النيل
وأقول الحلم لو ميِّل على كتافي
تجافي القلب أتراحه
ويتفرفط ما بين لضلاع
خشوعي فـ ولعي وفـ جوعي
وياما دموعي دي باتت
فـ حضني جياع

ثالثًا - قصائد بعنوان ثلاثي:
وهي: ألف حيلة وحيلة؛ من غير عتب؛ ما انتاش عارف؛ عشق برة الذكريات؛ ألف معنى للبلادة؛ أي: خمس قصائد بنسبة 9%. وقد جاء ترتيب قصيدة "ألف حيلة وحيلة" التي يحمل الديوانُ عنوانَها رقم 15 داخل الكتاب.

إذًا ديوان ألف حيلة وحيلة 56 قصيدة؛ 24 نصًّا (43%) عنوانها كلمة واحدة، و27 نصًّا (48%) عنوانها كلمتان، و5 نصوص (9%) عنوانها ثلاث كلمات، 101 صفحة من القَطْع المتوسط الطولي.

تحليل عناوين قصائد ديوان "حصان خشب" للشاعرة والمترجمة منى المنير:
    اخترت هذا الديوان للرد على الإشكالية التي ظهرت في عناوين قصائد ديوان "ألف حيلة وحيلة" لرشا الفوال لعدَّة أسباب، نذكر منها - على سبيل المثال لا الحصر -:
  قد صدر ديوان "حصان خشب" لمنى المنير، ط1، 2015؛ أي: نفس عام صدور ديوان "ألف حيلة وحيلة" لرشا الفوال.

  قد صدر الديوان ضمن سلسلة النهار الأدبية، تقديم الشاعر/ إبراهيم رضوان المشرف على السلسلة.

  اللغة المستخدمة في الديوانين هي العامية المصرية.

  قَطْعُ الديوانَيْنِ واحد، وهو المتوسط الطولي، ولكن عدد صفحات ديوان "حصان خشب" هو 98 صفحة، بينما "ألف حيلة وحيلة" 101صفحة.

  الشاعرتان من محافظة الدقهلية، منى المنير (من مركز شربين)، رشا الفوال (مدينة المنصورة).

  عدد نصوص ديوان "حصان خشب" 38 نصًّا، بينما ديوان "ألف حيلة وحيلة" 56 نصًّا.

  وبمقارنة عدد صفحات الديوانَيْنِ؛ برغم اشتراكهما في نفس القطع، وأن الإهداء في الديوانين عبارة عن صفحة واحدة، وتقريبًا ليس بينهما فرق معنوي بين عدد الصفحات، فإن هذا يدلُّ بمجرد النظر أن قصائد ديوان "حصان خشب" أطول من نصوص ديوان "ألف حيلة وحيلة".

عناوين قصائد ديوان "حصان خشب" تتراوح ما بين كلمة وثلاث كلمات، وهي كالتالي:
أولاً - عناوين مكوَّنة من كلمة واحدة:
دنيا، عاجل، براغيت، أهل، مصرية، فلَلي، شريان، عروستي، كراس، محتل، عويل، شماعة، ملاهي، ونتلملم، همس، حرام، مدبوح، بيتشاهد، أم، مطر، عصيان، مصري، رباعيات، ماتش، سكات، فته، أسرار (27 قصيدة؛ أي: 71% من قصائد ديوان حصان خشب، يتكون عنوانها من كلمة واحدة).

ثانيًا - عناوين مكونة من كلمتين:
أم الشهيد، عبارة السلام، افهم بقى، تعالى دوسني، منه وجيسيكا، حدش شاف (القصيدة التي اختير منها عدة أبيات لتكتب على الغلاف - غلاف الديوان -)، حصان خشب (العنوان الذي يحمله الديوان)، الأصل والفالصو، لا للتحرش (9 قصائد؛ أي: 24% من قصائد الديوان يتكون عنوانها من كلمتين).

ثالثًا - عناوين مكونة من ثلاث كلمات:
هما قصيدتان فقط؛ (أي: 5% فقط من مجموع قصائد الديوان)، وجاء ترتيبُهما داخلَ الديوان، الثانية والثالثة، ص: 8، ص: 11، ولهما نفسُ العنوان وهو "أطفال بلا مأوى"، ولكن قامت الشاعرة منى المنير بالتفرقة بينهما بالرقم (1) و (2)؛ أي: إن القصيدة الأولى جاء عنوانها "أطفال بلا مأوى1"، والثانية "أطفال بلا مأوى2".

ومِن هنا فقد تغلَّبت الشاعرة في ديوانها "حصان خشب" على إشكاليَّة تَكرُّرِ نفس العنوان داخل نفس الديوان بالترقيم، فليس عيبًا أن يكرر أو ينسخ الشاعر نفس العنوان على أكثر من قصيدة، ولكن ما دامَت ستُنشَرُ داخل نفس الديوان وفي كتاب واحد، فكيف يتسنَّى للقراء التفرقة بين القصائد التي تحمل نفس العنوان، فهل يقوم هو - أقصد القارئ – بالترقيم، أم يقول: قصيدة "حنين ص: 41"، وقصيدة "حنين ص: 68"؟!

وصحيح أن الحل الثانيَ جائز عِلميًّا، ولكن نفترض أنه حدث كما حدث بالفعل من خطأٍ في ترقيم القصائد في فهرس ديوان "ألف حيلة وحيلةلـ رشا الفوال بأن كُتبت في الفهرس أمام قصيدة حنين الثانية أنها صفحة 86 بدلاً من 68؟!

في اعتقادي أن الشاعر قد يقَع في تلك الإشكالية؛ وهي تكرُّر عناوين قصائد ديوانه، بسبب أنها قصائدُ كُتبت على فترات متباعدة، ولم يجد إلا نفس العنوان؛ لتوافقه مع المعاني والحالة النفسية للقصيدة، وعندما شرع في إصدار ديوان - وما الديوان إلا مجموعة شعرية - فقام بجمع ما كتبَه من قصائد خلال الفترة البينيَّة بين إصدارين لنَشرِها في المجموعة الشعرية الجديدة، ولا يكون أمامه في هذه الحالة إلى أن:
 • يُغيِّر أحدَ العناوين المكررة، ويترك الثانيَ بنفس العنوان الذي اختاره للقصيدة من البداية.

 • أو يترك جميع عناوين القصائد المكرَّرة كما هي، ولكن يقوم بترقيمها، كما فعلَت الشاعرة منى المنير في ديوانها "حصان خشب".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راكومين..غلة وجبة شهية لقتل الفئران

كافوزال Cafosal لتنشيط التمثيل الغذائي – حقن للاستعمال البيطري